فوائد وأضرار حجر البيلون: الترابة الحلبية الأصيلة

حجر البيلون: الترابة الحلبية
فوائد وأضرار حجر البيلون: الترابة الحلبية الأصيلة

حجر البيلون: الترابة الحلبية الأصيلة

يُعتبر حجر البيلون أو الترابة الحلبية من أقدم وأهم المواد الطبيعية التي اشتهرت بها مدينة حلب السورية عبر التاريخ. هذا الحجر الطيني الفريد الذي يحمل اسم المدينة التي ارتبط بها، يُمثل إرثاً تراثياً وطبياً عريقاً، ولا يزال يحتفظ بمكانته المميزة في الطب الشعبي والتطبيقات التجميلية حتى يومنا هذا. البيلون هو نوع من أنواع الحجر الصخري الصلصالي الغضاري النقي، يُستخرج من طبقات أرضية عميقة تقع على عمق يتراوح بين 4 إلى 6 أمتار تحت سطح الأرض. يُعرف بعدة أسماء منها "الترابة الحلبية" نسبة إلى مدينة حلب، و"الطين الحلبي"، و"حجر حلب".

في هذا المقال

التسمية

من الناحية اللغوية، تُشير الدراسات إلى أن كلمة "البيلون" مُستمدة من اللغة اليونانية βαλανεῖα (VALANTYON) بمعنى الحمّام، والحمّام في اللاتينية (BALNEA) [المصدر] 3. هذا الأصل اللغوي يعكس الارتباط الوثيق بين هذه المادة واستخداماتها التقليدية في الحمامات الشعبية.

التركيب الكيميائي والخصائص الطبيعية

يتكون البيلون من طين غير نقي من نوع خاص من الصلصال يُسمى البنتونيت (Bentonite) الذي يتكون أساساً من سيليكات الألومنيوم المائية، بالإضافة إلى وجود العديد من المعادن والعناصر القلوية والعناصر القلوية الأرضية ضمن تركيبه الداخلي [المصدر] 4.

البنتونيت، المكون الأساسي للبيلون، هو طين يتكون بشكل متكرر عن طريق تجوية الرماد البركاني، ويتكون أساساً من معادن السميكتايت، وعادةً ما يكون المونتموريلونيت [المصدر] 5. التركيب الكيميائي العام للبنتونيت يُمكن تمثيله بالصيغة: (Na,Ca)₀.₃₃(Al,Mg)₂Si₄O₁₀(OH)₂⋅nH₂O [المصدر] 6.

أماكن الاستخراج والتوزع الجغرافي

يُستخرج البيلون من مناطق محددة في ريف حلب الشمالي، وتحديداً من منطقة تُسمى "هضبة حلب البيلونية" أو "جبل البيلون"، الواقعة في القرب من منطقة دير الجمال ونبل وكعشتار التابعة لقضاء إعزاز، والتي تبعد عن مدينة حلب حوالي أربعين كيلومتراً [المصدر] 4.

تُشير المصادر إلى أن البيلون يوجد حصرياً في سوريا، وتحديداً في مناطق حلب وحماة وإدلب وعفرين، مما يجعله منتجاً محلياً فريداً ومميزاً [المصدر] 7.

الخصائص الفيزيائية

البيلون مادة غضارية لونها يميل إلى السمرة الحمراء أو يتراوح بين الرمادي والأحمر، وملمسها ناعم [المصدر] 8. يتميز بخاصية الامتصاص العالية للماء، حيث يذوب فيه ويتحول إلى رسوب طيني قلوي التفاعل [المصدر] 8.

عندما يُنقع البيلون في الماء، يذوب تدريجياً خلال حوالي ربع ساعة ليُشكل مادة لينة قابلة للاستعمال، وهذه الخاصية تُميزه عن أنواع الطين الأخرى [المصدر] 1.

الاستخدامات التراثية والطبية

العناية بالشعر والبشرة

كان البيلون يُمثل الشامبو الطبيعي الأكثر شعبية قبل ظهور المنتجات الكيميائية الحديثة [المصدر] 9. يُستخدم لتنظيف الشعر وتنعيمه وإكسابه اللمعان والنعومة، كما يعمل على إزالة قشرة الرأس ومنع تساقط الشعر [المصدر] 1.

للاستخدام، يُنقع الحجر في القليل من الماء لمدة ربع ساعة تقريباً حتى يذوب، ثم يُفرك بين اليدين ويُطبق على الشعر من الجذور حتى الأطراف، ويُترك لمدة 10-15 دقيقة قبل الغسل بالماء والشامبو [المصدر] 1.

التطبيقات الجلدية والعلاجية

يُستخدم البيلون في معالجة العديد من المشاكل الجلدية، منها:

  • إزالة الحكة الجلدية والحساسية [المصدر] 10
  • معالجة البثور والحبوب الحمراء التي تظهر على الجلد [المصدر] 10
  • علاج الجرب لأنه يمنح برودة للجسد ويطفئ حماوة هذه الأمراض الجلدية [المصدر] 10
  • شد البشرة وتقليل التجاعيد وإزالة الكلف [المصدر] 1
  • معالجة الصداع، خاصة عند الأطفال، حيث يُعتقد أنه يقضي على آلام الرأس ويريح الأعصاب [المصدر] 10

الاستخدامات الطبية التقليدية

من الاستخدامات الطبية التراثية للبيلون جبر كسور العظام، خاصة عند الحيوانات المنزلية مثل الدجاج والماشية، حيث كان يُطلى بمعجونه الطري قطعة قماشية قبل لفها على مكان الكسر مع تثبيتها بعودين خشبيين [المصدر] 10.

كما كانت النساء الحوامل يأكلن البيلون أثناء فترات الوحام لتعويض نقص الكالسيوم في الجسم [المصدر] 4.

الاستخدامات المنزلية والصناعية

إزالة البقع

يُستخدم البيلون بفعالية كبيرة في إزالة البقع الدهنية من الأقمشة المختلفة، سواء كانت صوفاً أو قطناً أو حريراً أو كتاناً. عند إضافة الماء إلى قطعة منه تُصبح طيناً، وعندما يُوضع جزء من هذا الطين على بقع الزيت أو السمن أو الدهن ويُترك حتى ينشف ويُفرك، يُزيل آثار البقع تماماً [المصدر] 4.

الصناعات والتطبيقات الحديثة

في العصر الحديث، يدخل البنتونيت (المكون الأساسي للبيلون) في العديد من الصناعات:

  • حفر آبار المياه والبترول كمكون في طين الحفر [المصدر] 4
  • إعادة تكرير الزيوت المعدنية مثل زيوت السيارات [المصدر] 4
  • مستحضرات التجميل كمادة شادة للوجه ومنعمة ومسبلة للشعر [المصدر] 4
  • الأعلاف الحيوانية لاحتوائه على معادن مهمة مثل الحديد والكالسيوم [المصدر] 4

الأهمية التراثية والثقافية

يُمثل البيلون جزءاً لا يتجزأ من التراث الحلبي الأصيل، حيث كان جزءاً من الحياة اليومية لسكان حلب وريفها لقرون عديدة. كان الناس يشترون هذه المادة القيّمة من البائعين الجوالين أو العطارين، وكانت ربات البيوت تحتفظ بها في أوعية نحاسية خاصة تُسمى "اللكن" [المصدر] 10.

في منطقة عفرين، كان يُسمى "الكيل"، وكان من أقدم وسائل النظافة الشخصية المعروفة، حيث استخدمه السكان كباراً وصغاراً في الحمام قبل ظهور الصابون والشامبو المعاصر [المصدر] 10.

التحضير والتصنيع التقليدي

كان الحلبيون يتفننون في تصنيع البيلون، حيث يطحنون أحجاره طحناً ناعماً ويجبلون ترابه بماء الورد، ويضيفون إليه قشر الورد والدريرة، ويعجنونه ويعملون منه كعكات مستديرة واسطوانية ويجففونها لتكون جاهزة للاستعمال [المصدر] 8.

الدراسات العلمية المعاصرة

أجريت عدة دراسات علمية على البيلون الحلبي في الجامعات السورية، منها دراسة حول "إزالة بعض الملوثات الكيميائية (أصبغة) من المحاليل المائية باستخدام البيلون الحلبي" التي قامت بها الباحثة راما طباخ [المصدر] 11.

كما تمت دراسة "كفاءة المبادل المحضر على أساس البيلون الحلبي في إزالة شرسبة الكرومات من محاليله المائية ودراسة حركية الإزالة" [المصدر] 12، مما يُشير إلى الاهتمام العلمي المعاصر بهذه المادة وإمكانياتها في التطبيقات البيئية.

التحديات المعاصرة والمستقبل

مع ظهور المنتجات التجميلية والصناعية الحديثة، انحصر استعمال البيلون في السنوات الأخيرة على كبار السن، حيث أصبح الشباب يفضلون المنتجات المتطورة من منظفات الشعر [المصدر] 9. ومع ذلك، فإن العديد من الشركات المنتجة للشامبو بدأت بإنتاج أصناف تحتوي على البيلون، مما يُشير إلى إدراك قيمته الطبيعية والعلاجية [المصدر] 9.

الخلاصة

حجر البيلون أو الترابة الحلبية يُمثل كنزاً طبيعياً فريداً من تراث مدينة حلب العريق. هذه المادة الطبيعية التي تجمع بين الفوائد العلاجية والتجميلية والاستخدامات المنزلية، تُجسد العلاقة الوثيقة بين الإنسان والطبيعة في الحضارة السورية القديمة.

رغم التحديات التي تواجهها المواد التراثية في عصر التكنولوجيا الحديثة، إلا أن البيلون يحتفظ بمكانته المتميزة كمادة طبيعية آمنة وفعالة، والاهتمام العلمي المتزايد به يفتح آفاقاً جديدة لاستخداماته في التطبيقات البيئية والصناعية المعاصرة. إن الحفاظ على هذا التراث الطبيعي ونقله للأجيال القادمة يُمثل مسؤولية حضارية لحماية الهوية الثقافية والطبيعية لمنطقة الشام. 

المصادر

المراجع والمصادر

اقرأ أيضا